الدور الأساسي للزنك في نمو الجنين وتطوره
يُعد الزنك من المعادن الأساسية التي تزداد الحاجة إليها بشكل ملحوظ خلال فترة الحمل، نظراً لدوره المحوري في دعم النمو السريع للأنسجة وتكوين الخلايا لدى الجنين. فهو يدخل كعامل مساعد في مئات التفاعلات الإنزيمية التي تحدث في الجسم، وله أهمية قصوى في عمليات تخليق الحمض النووي (DNA) والبروتينات، وهما المكونان الأساسيان لنمو خلايا جديدة. لا يمكن للجنين أن يُحقق النمو والتطور السليم دون توفر كميات كافية من الزنك، وخاصةً خلال الأشهر الأولى من الحمل حيث تتشكل الأعضاء الرئيسية، بما في ذلك الجهاز العصبي والدماغ والجهاز التناسلي. يُساهم الزنك في بناء الهيكل الخلوي للجنين، ونقصه في هذه المرحلة الحساسة قد يرتبط بزيادة خطر حدوث تشوهات خلقية أو تأخر في النمو داخل بطن امه . كما أن المشيمة، وهي العضو الحيوي الذي يغذي الجنين، تعتمد على مستويات الزنك المناسبة لأداء وظيفتها بكفاءة.
أهمية الزنك لصحة الأم الحامل وتقوية مناعتها
لا تقتصر فوائد الزنك على الجنين وحده، بل تمتد لتشمل صحة الأم الحامل بشكل مباشر. فالحمل يُعتبر فترة إجهاد فسيولوجي على جسم المرأة، وقد يضعف جهازها المناعي بشكل طبيعي، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالعدوى ونزلات البرد والأمراض الأخرى. وهنا يبرز دور الزنك كمعزز قوي لوظيفة الجهاز المناعي، حيث يساعد في إنتاج وتفعيل خلايا الدم البيضاء، وهي خط الدفاع الأول للجسم ضد الميكروبات. كما يُعزز الزنك من قدرة الجسم على التئام الجروح وإصلاح الأنسجة، وهي عملية حيوية سواء خلال فترة الحمل أو بعد الولادة، خاصة في حالات الشفاء من جرح الولادة القيصرية . إضافة إلى ذلك، يُساهم الزنك في توازن الهرمونات الضرورية لاستمرار الحمل الصحي، وقد يرتبط نقصه ببعض المضاعفات الخطيرة للحمل مثل الولادة المبكرة وانخفاض وزن المولود عند الولادة وطول فترة المخاض، مما يؤكد على أهمية ضمان تناول الكمية الموصى بها يومياً من هذا المعدن.
المخاطر الصحية المرتبطة بنقص الزنك أثناء الحمل
على الرغم من أن الجسم يحتاج إلى الزنك بكميات ضئيلة نسبياً، إلا أن نقصه يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من المشاكل الصحية لكل من الأم والجنين. عند الأم، قد يؤدي النقص الحاد إلى ضعف حاسة التذوق والشم، وفقدان الشهية، وضعف المناعة المتكرر، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالعدوى الرحمية. أما بالنسبة للجنين، فنقص الزنك يهدد عملية الانقسام الخلوي السريع التي يمر بها، مما قد يؤدي إلى تأخر في النمو وتطور أعضائه. تشير الدراسات إلى أن نقص الزنك المزمن قد يزيد من احتمال حدوث الإجهاض أو الولادة المبكرة أو ولادة أطفال باوزان منخفضة . لذلك، يجب على المرأة الحامل التأكد من تلبية احتياجاتها اليومية من الزنك، والتي تبلغ حوالي 11 ملليغراماً يومياً للنساء البالغات (19-50 عاماً)، وترتفع قليلاً إلى 12 ملليغراماً لمن تقل أعمارهن عن 18 عاماً. في حال الاشتباه بنقص الزنك، يوصي الطبيب بتناول المكملات الغذائية للوصول إلى المستويات المطلوبة بعد تقييم الحالة الغذائية والصحية بشكل دقيق.
أهم المصادر الغذائية الحيوانية الغنية بالزنك
يُعتبر الحصول على الزنك من المصادر الغذائية الطبيعية هو الخيار الأفضل والأكثر أماناً للمرأة الحامل. وتتصدر المصادر الحيوانية قائمة الأطعمة الغنية بالزنك، نظراً لارتفاع تركيز الزنك فيها وامتصاصه بكفاءة أعلى مقارنة بالمصادر النباتية. اللحوم الحمراء مثل لحم البقر والضأن والدواجن كالديك الرومي والدجاج، هي من أهم هذه المصادر، حيث توفر كميات كبيرة من الزنك بالإضافة إلى البروتينات والحديد الضرورية للحامل. وعلى الرغم من أن المحار والمأكولات البحرية تُعد من أغنى المصادر على الإطلاق، إلا أنه يجب التنبيه على ضرورة طهي جميع المأكولات البحرية جيداً أثناء الحمل لتجنب مخاطر التسمم الغذائي. تُقدم منتجات الألبان مثل الحليب والجبن كميات معتدلة من الزنك، بالإضافة إلى الكالسيوم والفيتامينات الأخرى الهامة لصحة العظام. كما يُعد البيض مصدراً جيداً آخر، حيث يحتوي صفار البيض على كمية لا بأس بها من هذا المعدن الحيوي.
مصادر الزنك النباتية وسبل تحسين امتصاصه
بالنسبة للنباتيين أو لمن يسعون لتنويع مصادر الزنك، تتوفر بدائل نباتية غنية بهذا المعدن، وإن كانت تحتوي على مركبات قد تعيق امتصاصه. تُعتبر البقوليات مثل العدس والحمص والفاصوليا مصدراً جيداً للزنك، إلى جانب الألياف والبروتين. كما تُعد المكسرات والبذور من الوجبات الخفيفة الغنية بالزنك، خاصة بذور اليقطين والقرع واللوز والكاجو. وتشمل المصادر النباتية الأخرى الحبوب الكاملة، مثل الشوفان والكينوا والأرز البني، وبعض أنواع الخضروات كالسبانخ واللفت والبطاطس. من التحديات في المصادر النباتية هو وجود حمض الفايتك (Phytate) الذي يرتبط بالزنك ويقلل من امتصاصه. لذلك، يُنصح باتباع تقنيات طهي ومعالجة الأطعمة مثل نقع البقوليات والحبوب الكاملة وإنباتها أو تخميرها، حيث تساعد هذه العمليات في تكسير حمض الفايتك وتحسين التوافر الحيوي للزنك. كما أن تناول الأطعمة الغنية بالزنك مع مصادر فيتامين سي يمكن أن يُعزز من عملية الامتصاص.
