اشعاعات الهواتف الذكية وشبكات 5 G على صحة الذماغ



تعتمد الهواتف المحمولة على موجات الراديو في نقل المعلومات بين الجهاز ومحطات الشبكة، وتُصنَّف هذه الموجات ضمن الإشعاع غير المؤين الذي لا يمتلك طاقة كافية لكسر الروابط الجزيئية في الخلايا. مع ظهور تقنية الجيل الخامس 5G زادت سرعة نقل البيانات وعدد الهوائيات المنتشرة، مما أدى إلى طرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه الإشعاعات على عضو حساس مثل الدماغ. تعتمد تقنية 5G على ترددات أعلى من الأجيال السابقة، وهذه الترددات تسمح بنقل كمية أكبر من المعلومات في وقت أسرع، إلا أن الخصائص الفيزيائية لهذه الترددات تجعل انتشارها أضعف عبر الجدران والبيئات المختلفة، مما يستدعي زيادة عدد نقاط البث. ورغم أن هذا التطور التكنولوجي يجلب مزايا هائلة كالسرعات العالية والتواصل الفوري، إلا أن المخاوف الصحية لا تزال قائمة في أذهان الكثيرين حول التحفيز الحراري والموجي لخلايا الدماغ عند التعرض المتكرر لها.

التأثير الحراري ومخاوف ارتفاع درجة أنسجة الدماغ

أحد أبرز المخاوف المتعلقة بموجات الهاتف هو احتمالية التأثير الحراري. فالإشعاع الكهرومغناطيسي قد يرفع درجة حرارة الأنسجة في حال زادت طاقته. بالنسبة للهواتف الذكية، فإن التأثير الحراري المعترف به علميًا ضعيف جدًا، لأن مستويات الطاقة الصادرة منخفضة مقارنة بالمصادر الصناعية القوية. وقد قامت العديد من الهيئات العلمية مثل منظمة الصحة العالمية بدراسة هذه النقطة ووجدت أن الطاقة المنبعثة من الأجهزة المحمولة تبقى ضمن الحدود الآمنة ولا تسبب تغيرات حرارية خطيرة في أنسجة الدماغ. ومع ذلك فإن الاستخدام الطويل ووضع الجهاز ملاصقًا للأذن قد يسبب حرارة موضعية بسيطة يشعر بها المستخدم، وهي غالبًا ناتجة عن البطارية والمعالج أكثر من الإشعاع نفسه. هذه الحرارة قد تسبب شعورًا بعدم الارتياح ولكن لا يوجد دليل قاطع على أنها تسبب تلفًا للخلايا العصبية.

التأثير غير الحراري والجدل حول الإشعاعات المتكررة

هناك نقاش آخر حول التأثيرات غير الحرارية، أي التأثيرات المحتملة لموجات 5G على الإشارات العصبية والمواد الكيميائية في الدماغ دون ارتفاع ملموس في درجة الحرارة. بعض الدراسات أشارت إلى أن التعرض الطويل للموجات قد يؤثر على نشاط الخلايا العصبية وعلى التوازن البيولوجي، إلا أن هذه الدراسات غالبًا غير حاسمة أو أجريت في ظروف مخبرية لا تشبه الواقع. كما أن معظم نتائجها لم يتم تكرارها بشكل موثوق. الهيئات الصحية الدولية تنظر بحذر إلى هذه الدراسات وتعتبر أن الأدلة غير كافية لإثبات ضرر مباشر على الدماغ. ومع ذلك فإن الباحثين لا يزالون يدرسون التأثير التراكمي لهذه الموجات خصوصًا في سن الطفولة عندما تكون أنسجة الدماغ أكثر حساسية. لكن حتى الآن فإن الإجماع العلمي يشير إلى أن التعرض لمستويات إشعاع الهاتف في الحالة اليومية لا يمثل خطرًا مؤكدًا على الدماغ.

القلق النفسي وتأثيره على صحة الدماغ

لا يمكن تجاهل الجانب النفسي عند الحديث عن تأثيرات هواتف الجيل الخامس. الانتشار الواسع للشائعات والمعلومات غير الصحيحة قد يسبب توترًا وقلقًا لدى المستخدمين، وهذا التوتر المستمر قد يخلق مشاكل صحية حقيقية. فالعقل عندما يشعر بالخطر الوهمي يفرز هرمونات التوتر التي تؤثر على النوم والذاكرة والتركيز. وقد أظهرت الأبحاث أن الخوف من التكنولوجيا الجديدة قد يسبب أعراضًا جسدية مثل الصداع والدوار، حتى لو لم يكن هناك سبب بيولوجي مباشر. هذه الظاهرة النفسية تسمى بالتأثير الوهمي، حيث يربط الشخص أعراضه بشيء اعتقد أنه ضار. لذلك فإن الوعي العلمي والاطلاع من مصادر موثوقة يساعد في حماية الصحة النفسية وتجنب انتشار الذعر المرتبط بالتقنيات الحديثة مثل 5G.

نصائح وقائية وتوجهات صحية مستقبلية

في ضوء التطور السريع للاتصالات ينصح المختصون باتباع بعض الإرشادات الاحترازية ولو على سبيل الطمأنينة، مثل استخدام سماعات البلوتوث أو المكالمات الخارجية عند الحديث لفترات طويلة، وتجنب وضع الهاتف تحت الوسادة أثناء النوم، وتقليل وقت التعرض للأطفال الصغار. هذه النصائح عامة وتشمل جميع أنواع الهواتف وليست مرتبطة فقط بـ 5G. وفي المقابل فإن  المعايير الدولية مازال مستمرًا لضمان سلامة المستخدمين، كما أن التفتيش التقني الحكومي يفرض حدودًا قصوى لانبعاث الإشعاع من الأجهزة. وفي المستقبل قد تظهر تقنيات أكثر كفاءة وأقل انبعاثًا للموجات، مما سيقلل المخاوف الصحية بشكل أكبر. الخلاصة أن الأدلة الحالية لا تثبت ضررًا مباشرًا على صحة الدماغ نتيجة موجات 5G عند الاستخدام الطبيعي، ومع ذلك فإن المتابعة العلمية ضرورية دائماً مع أي تطور تكنولوجي جدلضمان سلامة الإنسان والمجتمع..

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم