.
لماذا تعتبر ساعات النوم الأولى في الليل الأفضل لراحة الدماغ
يُجمع الباحثون على أن النوم في الساعات الأولى من الليل أكثر فائدة لراحة الدماغ والجسم مقارنة بالنوم المتأخر. السبب في ذلك يعود إلى أن دورة النوم الطبيعية للإنسان تتأثر بإيقاع الساعة البيولوجية الذي يتناغم مع تعاقب الليل والنهار. في الساعات الأولى بعد حلول الظلام، يدخل الدماغ بشكل أسرع في مراحل النوم العميق، وهي المرحلة التي يتم فيها إصلاح الخلايا العصبية وتنشيط الذاكرة وتنظيم الاتصالات العصبية. كما أن هذه الساعات تسمح للجهاز العصبي بالتعافي من الإرهاق الذهني الذي تراكم طوال اليوم، مما يمنح شعوراً بالانتعاش الذهني عند الاستيقاظ. بينما النوم في وقت متأخر قد يقلل من مدة هذه المرحلة العميقة، فيؤدي إلى شعور بالتعب حتى بعد ساعات طويلة من النوم. ولهذا نجد أن الأشخاص الذين ينامون مبكراً ويستيقظون مبكراً يتمتعون بتركيز أعلى ومزاج أكثر استقراراً.
تأثير الهرمونات المسؤولة عن
النوم
النوم ليس مجرد حالة خمول، بل هو عملية منظمة تتحكم فيها هرمونات دقيقة أهمها الميلاتونين والكورتيزول. إفراز هرمون الميلاتونين يبدأ عادة بعد غروب الشمس، وهو المسؤول عن إشعار الجسم بالنعاس، لكن التعرض للضوء الصناعي أو شاشات الهواتف يؤخر إفرازه، مما يربك الساعة البيولوجية ويؤدي إلى الأرق. من جهة أخرى، فإن قلة النوم ترفع مستويات هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، مما يضعف الجهاز المناعي ويؤثر على الصحة العقلية. كما أن اضطراب النوم يؤثر على هرمونات أخرى مثل الغريلين واللبتين اللذين ينظمان الشهية، وهو ما يفسر ارتباط قلة النوم بزيادة الوزن. بالتالي، يمكن القول إن جودة النوم مرتبطة بشكل مباشر بتوازن الهرمونات في الجسم، وأن أي خلل في عادات النوم أو الإفراط في استخدام الضوء الصناعي يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل.
النوم في الصيف والشتاء: هل هناك فرق؟
من الملاحظ أن ساعات النوم تختلف بين فصول السنة، ويعود ذلك إلى تغير طول الليل والنهار. ففي فصل الصيف، يطول النهار وتقصر ساعات الليل، وهو ما يجعل الناس يميلون للنوم لفترات أقصر مقارنة بفصل الشتاء. وفي المقابل، يكون الليل أطول في الشتاء، ما يمنح فرصة للنوم لفترات أطول. هذا الاختلاف مرتبط بشكل أساسي بالساعة البيولوجية التي تتأثر بدورة الضوء والظلام. غير أن هذا لا يعني أن الجسم يحتاج فعلياً إلى عدد ساعات نوم مختلف تماماً بين الفصلين، بل إن التغير هو استجابة طبيعية لإيقاع الحياة وظروف البيئة. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الناس في المناطق ذات الليالي الطويلة مثل شمال أوروبا ينامون أكثر في الشتاء مقارنة بالصيف، بينما في المناطق الاستوائية حيث الليل والنهار شبه متساويين على مدار العام، يظل متوسط النوم ثابتاً تقريباً.
عواقب عدم النوم الجيد على الصحة
إن تجاهل النوم الجيد أو التقليل من أهميته له عواقب خطيرة على الصحة الجسدية والنفسية. أولاً، يؤدي الحرمان من النوم إلى ضعف التركيز والذاكرة وصعوبة في اتخاذ القرارات، كما يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق. ثانياً، على المستوى الجسدي، يزيد من احتمالية ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري، إذ إن الجسم لا يجد الوقت الكافي لإصلاح الأنسجة وتنظيم ضغط الدم. ثالثاً، يرتبط قلة النوم بضعف جهاز المناعة، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للعدوى والأمراض. كما أن السهر الطويل يسبب خللاً في عمليات الأيض، فيزيد من خطر السمنة ومشاكل التمثيل الغذائي. وعلى المدى الطويل، قد يكون لقلة النوم تأثير مشابه للتدخين أو قلة النشاط البدني من حيث المخاطر الصحية. لذلك، ينصح الأطباء بضرورة جعل النوم أولوية أساسية في نمط الحياة.
خاتمة
النوم ليس مجرد استراحة عابرة، بل هو عملية حيوية معقدة يحتاجها الدماغ والجسم للحفاظ على التوازن والصحة. وقد تبين أن الساعات الأولى من الليل هي الأكثر أهمية لإصلاح الخلايا العصبية واستعادة النشاط العقلي، وأن الهرمونات المسؤولة عن النوم تتأثر بشدة بالعادات اليومية مثل التعرض للضوء الصناعي. كما أن اختلاف الفصول يفرض إيقاعاً طبيعياً للنوم، إلا أن الحاجة الأساسية للراحة تبقى ثابتة. في المقابل، فإن إهمال النوم الجيد يقود إلى عواقب خطيرة تشمل اضطرابات عقلية وجسدية تهدد جودة الحياة. لذلك، فإن العناية بالنوم لا تقل أهمية عن الغذاء الصحي أو ممارسة الرياضة، وهو استثمار حقيقي في الصحة والسعادة على المدى الطويل.

