هل تعلم ماذا يفعل الضوء الازرق من شاشات الهواتف على شبكية العين

 تأثير الضوء الأزرق على الخلايا البصرية الحساسة



يتميز الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الهواتف بموجات قصيرة وطاقة عالية تتراوح بين 380 إلى 500 نانومتر، مما يمنحه قدرة كبيرة على الاختراق والوصول إلى شبكية العين. تتعرض الشبكية لكميات مركزة من هذا الضوء أثناء الاستخدام المطول للأجهزة الذكية، خاصة في الأوضاع قريبة المدى. تظهر الدراسات أن الخلايا البصرية في الشبكية، وخاصة المستقبلات الضوئية والخلايا الصبغية، تتأكسد بفعل الطاقة العالية للضوء الأزرق مما يؤدي إلى تلف تدريجي في وظائفها. مع مرور الوقت، يتراكم هذا التأثير ويسبب ضرراً في البقعة الصفراء، المنطقة المسؤولة عن الرؤية المركزية الحادة في العين.


الآلية الجزيئية للتلف الشبكي


على المستوى الجزيئي، يحفز الضوء الأزرق إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية (ROS) داخل الخلايا البصرية، مما يؤدي إلى إجهاد تأكسدي يفوق قدرة أنظمة الدفاع المضادة للأكسدة في العين. تسبب هذه الجذور الحرة تلفاً في البروتينات والدهون الأساسية لأغشية الخلايا البصرية، كما تؤثر على الحمض النووي للخلايا. تظهر الأبحاث أن صبغة الميلانين في الظهارة الصبغية للشبكية تمتص كميات كبيرة من الضوء الأزرق، مما يحولها إلى وسيط ضار يسرع من موت الخلايا المبرمج. هذه السلسلة من التفاعلات الكيميائية تؤدي في النهاية إلى تنكس الخلايا البصرية وتدهور حدة الإبصار.


الأعراض والعلامات التحذيرية


يظهر تأثير الضوء الأزرق على شكل أعراض تدريجية تبدأ بإجهاد العينين والشعور بالحكة والجفاف بعد الاستخدام المطول للأجهزة. يعاني الكثيرون من زغللة مؤقتة في الرؤية وصعوبة في إعادة التركيز عند الانتقال من النظر القريب إلى البعيد. مع استمرار التعرض، قد تظهر هالات حول الأضواء ليلاً وزيادة في الحساسية للضوء الساطع. على المدى البعيد، يمكن أن يساهم الضوء الأزرق في تسريع عملية التنكس البقعي المرتبط بالعمر، أحد الأسباب الرئيسية لفقدان البصر لدى كبار السن. تشير الدراسات الوبائية إلى وجود ارتباط بين الاستخدام المكثف للأجهزة الرقمية وزيادة حالات قصر النظر بين الشباب.


الفئات الأكثر عرضة للخطر


يعد الأطفال والمراهقون أكثر الفئات تأثراً بالضوء الأزرق بسبب صفاء عدسات عيونهم واتساع بؤبؤ العين، مما يسمح بمرور كميات أكبر من هذا الضوء إلى الشبكية. الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة الذكية في الظلام أو في الإضاءة الخافتة يتعرضون لخطر أكبر بسبب توسع الحدقة لتعويض قلة الإضاءة. العمال الذين تقتضي طبيعة عملهم قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات الرقمية معرضون لتراكم الآثار الضارة على مدى سنوات. كبار السن، وخاصة المصابين بأمراض شبكية سابقة مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم، يكونون أكثر حساسية للتأثيرات الضارة للضوء الأزرق.


الوقاية والحلول العملية


توصي الجمعيات البصرية العالمية بتطبيق قاعدة 20-20-20، التي تقضي بأخذ استراحة لمدة 20 ثانية كل 20 دقيقة بالنظر إلى شيء على بعد 20 قدماً. تساعد النظارات ذات العدسات المضادة للانعكاس والطلاء الخاص الذي يمنع مرور الضوء الأزرق في تقليل كمية الأشعة التي تصل إلى العين. يمكن تفعيل وضع التصفية الزرقاء (Blue Light Filter) المدمج في معظم الأجهزة الحديثة، أو استخدام التطبيقات التي تضبط حرارة الألوان تلقائياً حسب وقت اليوم. الحفاظ على مسافة آمنة بين العين والشاشة تتراوح بين 40 إلى 70 سنتيمتراً، مع ضبط سطوع الشاشة ليناسب إضاءة المحيط. تناول الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة مثل الخضروات الورقية والأسماك الدهنية التي تدعم صحة الشبكية وتحميها من التلف.


الوعي بمخاطر الضوء الأزرق واتخاذ الإجراءات الوقائية أصبح ضرورة في العصر الرقمي، حيث أصبحت الشاشات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. الجمع بين التقنيات الحديثة والعادات الصحية في استخدام الأجهزة الإلكترونية يمكن أن يخفف بشكل كبير من الآثار الضارة على العينين. الفحوصات الدورية للعين تساعد في الكشف المبكر عن أي تغيرات قد تنتج عن التعرض المزمن للضوء الأزرق. البحث العلمي المستمر يطور تقنيات جديدة للشاشات تقلل من انبعاث الضوء الأزرق دون التأثير على جودة الصورة.

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم